"باردة كقطعة الثلج هذه" , هذا ما دار بخُلدي و أنا أمسك بقطعة من الثلج قبل أن ألقيها داخل كأس من ذلك المشروب الغازي الذي أفضله و أراها و هي تذوب رويداً رويداً , تساءلت " هل يذوب قناعي يوماً , ذلك القناع الذي يحميني من مشاعرهم تلك , و هل سأظل واقفة عند تلك النقطة , نقطة البداية , أخاف أن أتقدم لمستقبلٍ مجهول أو التراجع لماضيٍ مثقل بالآلام , يا الله امنحني القوة لأحافظ على تلك النقطة لا أريد مشاعر أخرى و لا أن أعرف أناس آخرين , أريد أن أبقى مع نفسي ..فقط " , انتهيت من مشروبي و اتجهت لحاسوبي , تصفحت عدة مواقع فلم أجد ما يستحق الاهتمام لأغلق الحاسوب بتنهيدة صغيرة و أخرج للشرفة , الوقت الآن يقترب من الرابعة فجراً , الشوارع شبه هادئة و الهواء نظيف و نقي , ملأت رئتي بهذا النسيم البارد الذي يريحني كثيراً ,شعرتُ برغبة مفاجئة للبكاء و لا أدري لماذا ؟ لماذا أصمت و اصمت و أصمت و بالنهاية لا أنفجر أبداً بل أنسحب بهدوء لتبقى المعاناة سراً صغيراً بدون حل في قلبي , ثم أكتم رغبتي بالبكاء لأستريح , لا أدري إن كان نوعاً من التعذيب أمارسه على نفسي ..!
أخفيت وجهي في ثنايا ملابسي لتحرقني عيناي و لكن لم أبكي , ودعتُ البكاء منذ زمن , كرهته
تغيرتُ كثيراً عن تلك الفتاة فيما مضى , لم أعد ساذجة , ربما .. و لكن هل كانت سذاجة مني فعلاً
أن أمنت بإيجاد رفيقة لدربي ؟ , هل كانت سذاجة أن أسلمها كل مشاعري دون حذر , هل كانت سذاجة أن أخطأت في معرفة من أمامي حق المعرفة ؟ لا , لا أظن ربما كان غباءً !
عندما أجد من أشاركها نفس الاهتمامات و الهوايات و تصبح رفيقتي و نُعرف بالثنائي ثم أجد أن كل هذا كان مجرد زيف , خداع .. خيـانة , مجرد أداة لتحقيق أهداف لا تعنيها بشيء و بمجرد أن ينتهي الهدف تنتهي مدة صلاحيتها !
تلاشت تلك الابتسامة التي كانت يوماً و ذلك المرح الذي سكن فؤادي خمسة عشر ربيعاً لأتشح بقناع الثلج الذي أحب , آآآه و كم أخشى أن يتلاشى هذا القناع أمام من لا يستحق , اعترف أني أحياناً أتخلى عن ذلك الحذر الذي اكتسبته من تلك التجربة المرة لأتجرع مرارة أشد , مرارة حُمقي
أخرجني من أفكاري المزعجة صوتُ الأذان , لتهدأ نفسي و تخمد هواجسي و تسكن روحي لذلك الصوت الخاشع الجميل .
بعد انتهاء الأذان تصاعد صوتُ آخر ألا و هو صوتُ هاتفي , تركتُ النافذة لأهرع باحثةً عنه و أرى ذلك الاسم ينير على شاشتها " طيبة الكون "
لأبتسم و ينهار ذلك القناع و بكل جدارة و أنا أرد : تأخرتِ يا الغالية
لأسمعها تجيبني بضحكتها التي تزيل الهموم كلها من صدري : لم أتأخر أيتها المشاكسة ؟ لقد انتهي الأذان للتو ؟
- صلي إذاً , ثم نتحدث قبل الظهر .. سأنام
- حسناً لكن لا تنامي قبل أن تصلي , تصبحين على خير
أجبتها بنبرةٍ صادقة : و أنتِ من أهل الخير .. و أنتِ من أهل الخير
وضعتُ هاتفي على طاولة الصالة و أسرعت بالصلاة و أنا أحمد ربي أن منحني هذه الصديقة التي احتوتني و سكنت نفسي إليها , سألته أن يجمع بيننا دائماً على خير و أن يهدينا لطاعته
انتهيت من الصلاة , و أنا أشعر بهدوء عذب يغلف روحي لأغمض عيناي قرب سجادتي و أسند رأسي على ذراع تلك الأريكة و أردد : الحمد لله على كل حال .. الحمد لله
أعلم أن قناعي سيعود لملامحي بعد أن تشرق الشمس و أنزل لذلك الزحام الآدمي بالشوارع , لكني أعلم أن هناك مشاعر بريئة بداخلي لن تموت أبداً مهما حدث , فمرحا لك يا قناع الثلج بملامحي , مرحا لك .